رسوم العقارات الشاغرة- بين التنظيم والتحايل وكفاءة التطبيق

المؤلف: فراس طرابلسي09.14.2025
رسوم العقارات الشاغرة- بين التنظيم والتحايل وكفاءة التطبيق

إن فرض رسوم على العقارات الفارغة ليس مجرد سياسة مالية مجردة، بل هو إجراء تنظيمي بالغ الأهمية يهدف إلى إعادة التوازن الدقيق في سوق العقارات النشط، وتعزيز الاستخدام الأمثل والعادل للأصول العقارية المهملة. ومع الانتشار الواسع في وسائل الإعلام حول اقتراح اللجنة الوزارية المختصة برفع الرسوم السنوية المفروضة على العقارات غير المأهولة من 5% إلى 10% من قيمة العقار الإجمالية، فإننا نقف أمام منعطف تنظيمي حاسم يتطلب تفعيل الأدوات الرقابية الذكية واستباق أي محاولات للالتفاف الخفي. فالرسوم المفروضة على العقارات الشاغرة جاءت لكسر الجمود وتحريك السوق الراكد، ومنح الأولوية للمالك الملتزم والمبادر على المالك المتردد والمنتظر، والمساهمة بفعالية في الحد من الممارسات غير المنطقية التي تعيق حركة التداول المنظمة وترفع الأسعار بشكل غير مبرر. ومع ذلك، يكشف الواقع المرير أن بعض الملاك، ربما بالتواطؤ والتنسيق مع أطراف صورية، قد يلجأون إلى توقيع عقود إيجار ظاهرها نظامي وقانوني وباطنها تحايل ومخادعة، وذلك بهدف إسقاط تصنيف العقار كـ«شاغر» وتجنب دفع الرسوم المستحقة.​ تُحرر العقود على منصة «إيجار» الإلكترونية، وتُسجل بشكل رسمي، ثم تُودع مبالغ الإيجار المتفق عليها ويُسترجع المبلغ بطريقة خاصة بين المالك والمستأجر الصوري، ليظهر المالك أنه امتثل للوائح والقوانين، في حين أن العقار لا يزال في واقع الأمر خالياً تماماً من أي إشغال. وعندما يظهر مستأجر حقيقي وراغب في السكن، يُلغى العقد الأول الاحتيالي ويُحرر عقد إيجار جديد، وكأن العقار لم يكن فارغاً قط. هذه الحيلة الماكرة، وإن بدت في ظاهرها «بارعة»، إلا أنها تفرغ النظام من محتواه وأهدافه السامية، وتخلق سوقاً رمادية مظللة لا تعكس الواقع الحقيقي، وتضعف الأدوات الفعالة لتطبيق النظام في التصنيف والمعالجة. بل وتولد شعوراً عميقاً بالظلم وعدم الإنصاف لدى الملتزمين بالقانون الذين يتحملون الرسوم المقررة فعلياً، في حين يتهرب المخادعون والمتحايلون منها تحت ستار الامتثال الشكلي للنظام. ولعل من أبرز المقترحات التي يمكن طرحها هنا هو تطوير وتحسين أدوات فحص الإشغال، بحيث لا يُكتفى بالعقد المسجل رسمياً وحده، بل يُربط بالبيانات التشغيلية الواقعية للعقار (مثل الاستهلاك الفعلي للكهرباء والمياه، أو تحديد الحد الأدنى لمدة إشغال فعلي)، وضرورة منح الجهات التنظيمية المختصة صلاحية واسعة لمراجعة دقيقة للعقود التي تُفسخ في فترات قصيرة دون وجود أسباب موضوعية واضحة ومقبولة. كما يجب أن يُنص بوضوح وصراحة على أن التواطؤ في إبرام عقود صورية وهمية بقصد التحايل على دفع الرسوم يُعتبر مخالفة صريحة تستوجب العقوبة الرادعة. فالتحايل لا يُحارب بالتضييق والتشديد فحسب، بل بالفهم العميق لطبيعته الملتوية، والقدرة على تجاوزه تشريعياً وتنفيذياً. إن الدولة عندما تنظم السوق، فإنها لا تقف في صف ضد أحد، بل تحمي مصالح الجميع وتسعى لإقامة العدل، وتعيد الأمور إلى نصابها الصحيح. وعلى المجتمع أن يكون سنداً وعوناً لهذا التنظيم، لا طرفاً يبحث عن الثغرات والانحرافات. إن نجاح سياسة فرض الرسوم لا يُقاس فقط بحجم الإيرادات المحصلة، بل بمدى احترامها وتطبيقها كأداة فعالة لتنظيم السوق العقاري. فإما أن نلتزم بأسس النظام وجوهره النبيل وهدفه السامي، وإما أن يظل «عقار يشاغر النظام»، لا احتلال المكان واستثماره.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة